دمعة الأستاذ موسى شهلا على صديقه المرحوم عبد الكريم الحصري
أيها الأخوة :
لمثل هذا اليوم فليعمل العاملون لأنَّ الانسانَ يُذكر و يُخلّد بأعماله وأقواله,وهنا أشعر كأنَّ فقيدَنا الغالي يردّدُ معي ما قاله شاعرُنا العظيم أبو فراس الحمداني :
سيذكرني قومي اذا جدَّ جدُّهم وفي الليلةِ الظلماءِ يُفتقد البدرُ
أجل لقد كان أبو غسان بدرا لامعا في سمائنا و نجما ساطعا في فضائنا. كان قائدا بارعا من قوّادنا و رائدا رائعا من روادنا. كان رجلا بكلِّ ما في كلمة الرجولة من معنى . صريحا صادقا جريئا لا تأخذه في الحقِّ لومةُ لائم . كان خصما عنيدا للظالمين و المستبدين و الرجعيين ونصرا كبيرا للضعفاء و المظلومين و أكثرَ من أب للفقراء و المساكين. لقد عرفنا أبا غسان طالبا ذكيا و محاسبا أمينا, مدرسا ناجحا ومربيا عظيما, كما عرفناه مثقفا متحررا وأديبا, مفكرا متنورا و خطيبا. عرفناه ابنا بارا و زوجا مخلصا وأبا عطوفا, عرفناه رفيقا مناضلا وصديقا حميما و أخا وفيا, انسانا طيبا كريما محسنا سخيا.....أما هذه الكنيسة العتيدة فلن تنسى ابنها البار الى الأبد فلقد ساهم في تاسيسها و انشائها وادارتها و بنائها ولذا فإنّه يُعتبرُ بحق فارسا عنيدا من فرسانها وركنا متينا من أركانها وسيظلُّ اسمُهُ واسمُ زوجتِه الفاضلة محفورين في لوحة الشرف المعلقة على جدرانها
أيُّها الأخوة : رغم خسارتنا الجسيمة و فاجعتنا الأليمة أردّدُ مع المسيح له المجد قوله
" لا تحزنوا كالذين لا رجاء لهم". فهذه هي حياتنا على الأرض نضحك مرة و نبكى أخرى و الحياة مستمرة بأفراحها و أتراحها.
بالأمس احتفلنا باليوبيل الذهبي أي بمناسبة مرور خمسين عاما على زواج الأخوين الحبيبين أبي غسان وأم غسان, وفي تلك الليلة قُدِّمت لهما الهدايا الجميلة من جميع الأهل و الأقارب و الأصدقاء. أما أنا فقدّمتُ لهما بطاقة متواضعة كُتبَ عليها
ماذا سأهدي عديلّ الروحِ في العيد ِ
غيرَ المحبةِ أو بعضَ الأناشيدِ
قلبي و حبي لكم للعيدِ أغنيةٌ
مصحوبةٌ بحنينِ النايِ و العودِ
خمسونَ مرّتْ كأحلامٍ ملونةٍ
و اليوم عادت بتطويرٍ و تجديدِ
دامت ديارُكُمُ بالحبِّ عامرةً
بالعزِّ بالنخوةِ العرباءِ و الجودِ
وبعد ان قرأها أبو غسان قال لي هذه أجمل هدية قدمت لي...
و ها أنا اليوم أجد نفسي ملزما بتقديم بطاقة مماثلة أخرى و لكن يا للأسف بمناسبة حزينة جدا أكتب عليها:
لا دمعتي تجدي ولا ألمي
عزَّ الكلامُ و خانني قلمي
ماذا أقولُ و مهجتي طُعنتْ
برحيلِ شهمٍ حُبُّهُ بدمي
أبكي الرجولةَ فيكَ يا بطلاً
نبكيهِ للنخواتِ و الشيمِ
يا سيِّداً في قومِهِ رحلَتْ
برحيلهِ نخواتُ معتصمِ
يا مشعلا ستظلُّ شُعلتُهُ
لا تنطفئ بالموتِ و العدمِ
ذكراك لن تُنسى هنا أبدا
مقرونةٌ بالجودِ و الكرمِ
أنت الأمانةُ في نقاوتِها
يا راعياً للحقِّ و الذممِ
يا فارساً في كلِّ مكرمةٍ
دوماً يُرى في قمَّةِ الهرمِ
أين اليراعُ الحرُّ ما برحتْ
أخبارُهُ تُتلى بكلِّ فمِ
يا بلبلاً غنّى بأيكتِهِ
ماذا جرى للصوتِ و النغمِ
هذي دروبُ الحقِّ نسلُكها
رغم الأسى و الحزنِ و الألمِ
أجدادُنا ساروا وما سألوا
وعلى خطاهم سائرُ الأممِ
ليت المنايا أخطأت فعفتْ
عنكمْ أبا غسان للهرمِ
لكنَّها لم تدرِ ما فعلتْ
لو أدركت ماتت من الندمِ
فإلى جنانِ الخلدِ يا علماً
يعلو على الأعلامِ بالقيمِ
نمْ هانئا يا خيرَ من عرفتْ
عيني ومن يمشي على قدمِ
أسأله تعالى أن يتغمد فقيدنا الغالى برحمته الواسعة وأن يرحم أمواتكم جميعا وأن يلهمنا و ذويه الصبر و العزاء ولكم طول العمر و البقاء...