رجلٌ
يستحقُ الذكر
عرفت
هذا الرجل منذ
سنوات عديدة
من خلال أصدقائه
و محبيه, رجلاً
ممتعاً و
نديماً لا تمل
منه لطرافته و
خفة دمه.
عرفته في
بيته فكان
طيباً و عفوياً
لا تفارق
البسمة وجهه, يتلقاك
و كأنه يعرفك
منذ زمن بعيد
فيفتح لك قلبه
قبل أن يفتح
بيته و يغمرك
بأحاديثه
الشيقة,
بعفوية إبن
الريف و طيبته
دون أن ينسى
بأنه مربى
الحقول و
البساتين,
ذكرياتها ما
تزال محفورةً
في قلبه و
خاطره لا
تمحوها
السنون و لا
تقنية العصر
أو مدنيته. كان
رحمه الله
معجباً
بحديقة بيته
على سفح الجبل
يمضي بها أكثر
أوقاته, نظمها
بنفسه و زرعها
بالورود و
أشجار
الفاكهة و كم
كان يحلو له
تناول
الأكلات
الشعبية المتوارثة
تحت ظلال
أشجارها, يحضرها
بنفسه و
يتناولها مع
الأصدقاء على
طريقة آبائنا
و أجدادنا و
بالآنية
المخصصة لها
لأنه كان
يعتقد بأن
طعمها و مذاقها
يرتبطان
بطريقة أكلها
و تحضيرها.
كان رحمه
الله ناقداً
ذكياً و ظريفاً,
مفعماً بروح
الدعابة و
الممازحة ,
حتى في مواقفه
الجدية, كانت
النكتة
الظريفة لا
تفارقه.
كان يتألم
لمن أصبحوا
عبيداً
للعادات و
التقاليد البالية,
يطبقونها ليس
احتراماً لها
و إنما جهلاً
و تجاهلاً
ليخرجوا
رؤوسهم منها
تباهياً و غروراً.
كان
رحمه الله
يشارك في
المآتم أكثر
مما يشارك في
الأفراح, و ما
أكثر ما تراه
و الأصحاب يتحلقون
حوله في ساحة
الكنيسة
أثناء صلاة
الجناز,
يتبادلون
الأحاديث في
أمور الدين و
الدنيا بطريقته
المحببة. وأذكر
أنني سألته مرة
و نحن في ساحة
الكنيسة, هل
تؤمن بالله؟
فأجاب: أكثر
مما تظن!, فقلت
معقباً: تعال
إذن ندخل
الكنيسة!,
فأجاب: سأدخل
عندما يأتي
دوري.
فقلت له: و
لكن عندها لن
تسمع كلام
الله, فأجاب:
"صدقني أنا
أعرف كلام
الله و أومن
به مثل
أفضلهم".
عُرف
عنه رحمه الله
بأنه يخاف
ركوب الطائرة,
فسألته مرة و
هو يقود
سيارته بنا في
رحلة برية طويلة
مع أحد
الأصدقاء, هل
صحيح يا رجل
أنك تخاف ركوب
الطائرة؟
فأجاب: هذا
صحيح, مثلي
مثل ستالين الزعيم
السوفيتي
الراحل الذي
كان يخشى ركوب
الطا ئرة, و هذا
اللغز في
حياتي لم أجد
له حلاً مذ
كنت صغيراً, و
عندما أصبحت كبيراً,
حاولت أن أقنع
نفسي بأن
حوادث
السيارات
أكثر من حوادث
الطائرات
بمئات المرات
و أنا أسافر
بالسيارة كل يوم
و لكن دون
جدوى, فأنا
أخاف من
الطائرة كمن يخاف
من المرتفعات
أو الظلام أو
عواء الذئاب.
لقد
عمل رحمه الله
في شبابه بجد
و نشاط و جمع
ثروةً تكفل له
العيش الرغيد,
و كان بإمكانه
أن يضاعفها
مرات كثيرة و
لكنه كان يؤمن
بالقناعة و
يمتاز بفلسفة
خاصة في نظرته
للحياة
الدنيا,
فالحياة بالنسبة
له ليست بعدد
السنوات التي
يحياها
الإنسان و
إنما
بالأوقات
السعيدة التي
يعيشها منسجماً
مع نفسه يمارس
حياته و ما
اعتاد عليه بكل
حرية و سرور,
لا بل إنه
ابتعد أكثر من
ذلك في تطبيق
قناعاته
الفلسفية على
الحياة الزمنية,
فلم يكن يرى
طعماً للحياة
مع المرض
المميت, و
كأني به قد
طبق ذلك
فعلياً عندما
سمع من طبيبه
بوجود مرض
قلبي يستحق
العلاج السريع,
فتأكدت ظنونه
و هو أعرف
الناس بنفسه,و
عندها أطبق
عينيه و غادر
الدنيا في
دقائق معدودة.
رحم
الله وصفي
هوارة و أسكنه
فسيح جناته و
ألهم أهل بيته
و محبيه الصبر
و السلوان...
طوني
بطيخ